اعلم انّ اللطيف يطلق على أربعة معانٍ :
الأول : الأشياء الصغيرة جداً بحيث لا تُرى بالعين ، وهذا بالنسبة الى الله كناية عن تجرده تعالى ، أي تجرده من خواص الأجسام ولا يكون في مكان وجهة ، ولا يرى بالعين بل ولا يُدرك بالعقل.
الثاني : يطلق اللطيف ويراد منه صانع الأشياء اللطيفة ، كما يقال للأشياء التي يصعنها الصانع بدقّة وحجم صغير بحيث يعجز غيره عن مثلها : لطيف ، واطلاق هذا المعنى على الله تعالى ظاهر ، فلو تفكر شخص في الأعضاء والجوارح التي خلقها ، والحيوانات التي لا تُرى بالعين ، والقوى والمشاعر المستودعة فيها لحار عقله.
الثالث : العالم باللطائف والدقائق يقال له لطيف وهذا ظاهر أيضاً.
الرابع : المشتق من اللطف والاحسان ، أي ذو لطف وكرم واحسان.
كما وأن الخبير يطلق على معنيين ، الأول : فعيل بمعنى الفاعل ، أي العالم بجميع الأمور وكنه حقائق وخفايا الأشياء ، الثاني : فعيل بمعنى مفعل ، أي المخبر الهادي الى حقائق الأشياء.
روى ابن بابويه عليه الرحمة عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال للحسين بن خالد : اعلم ـ علّمك الله الخير ـ انّ الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على انّه لا شيء قبله، ولا شيء معه في ديموميّته، فقد بان لنا باقرار العامة مع معجزة الصفة انّه لا شيء قبل الله ، ولا شيء مع الله في بقائه.
وبطل قول من زعم انّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك انّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً لأنّه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا ، وكان الأول أولى بأن
--------------------------------------------------------------------------------
( 108 )
يكون خالقاً للأول الثاني.
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبّدهم وابتلاهم الى أن يدعوه بها ، فسمّى نفسه سميعاً بصيراً قادراً قائماً ظاهراً باطناً لطيفاً خبيراً قوياً عزيزاً حكيماً عليماً وما أشبه هذه الأسماء.
فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون ، وقد سمعونا نحدّث عن الله أنّه لا شيء مثله ، ولا شيء من الخلق في حاله ، قالوا : أخبرونا إذ زعمتم أنّه لا مثل لله ولا شبه له ، كيف شاركتموه في أسمائه الحسني ، فتسميتم بجميعها ؟ ! فإن في ذلك دليلاً على أنكم مثله في حالاته كلا ، أو في بعضها دون بعض ، إذ جمعتكم الأسماء الطيبة.
قيلَ لهم : إنّ الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني ، ذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين ، والدّليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع ، وهو الذي خاطب الله به الخلق ، وكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيّعوا.
وقد يقال للرجل : كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد وكل ذلك على خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها ، لأن الانسان ليس بأسد ولا كلب ، فافهم ذلك رحمك الله.
وإنما نسمي الله بالعالم بغير علم حادث علم به الأشياء ، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والرّوية فيما يخلق من خلقه، وبعينه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويُعنه كان جاهلاً ضعيفاً ، كما أنّا رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلمٍ حادث إذ كانوا قبله جهلةً، وربما فارقهم العلم
بالأشياء فصاروا إلى الجهل.
وإنما سمّي الله عالماً لأنه لا يجهل شيئاً ، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم ، واختلف المعنى على ما رأيت ، وسمي ربّنا سميعاً لا بجزء فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به ، كما أنّ جزءنا الذي نسمع به لا نقوي على النظر به ، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه الأصوات ، ليس على حد ما سُمينا نحنُ ، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى.
وهكذا البصر لا بجزء به أبصر ، كما أنّا نبصر بجزء منّا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ، ولكن أخبر أنّه قائم ، يخبر أنّه حافظ ، كقولك : الرجل القائم بأمرنا فلانّ ، وهو قائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضاً في كلام الناس الباقي ، والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية ، كقولك للرجل : قم بأمر فلان أي اكفه ، والقائم منّا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما اللطيف فليس على قلة وقضافةٍ وصغر ، ولكن ذلك على النّفاذ في الأشياء ، والامتناع من أن يدرك، كقولك : لطف عني هذا الأمر، ولطف فلان في مذهبه ، وقوله يخبرك أنّه غمض فبهر العقل ، وفات الطلب ، وعاد متعمقاً متلطفاً لا يدركه الوهم ، فهكذا لطف الله ، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحدّ بوصف ، واللطافة منّا الصغر والقلّة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ، ولا يفوته شيء ، وليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء ، فيفيده التجربة والاعتبار علماً لولاهما ما علم ، لأن من كان
كذلك كان جاهلاً ، والله لم يزل خبيراً بما يخلق والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعودعليها ، وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء ، ولقدرته عليها كقول الرجل : ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي ، يخبر عن الفلج والغلبة ، فهكذا ظهور الله على الأعداء.
ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ، لا يخفى عليه شيء وأنه مدبر لكل ما برأ ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تعالى ، وإنك لا تعدم صنعه حيثما توجهت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منّا البارز بنفسه والمعلوم بحده، فقدجمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً ، كقول القائل : أبطنته ، يعني خبّرته وعلمت مكتون سره ، والباطن منا بمعنى الغائر في الشيء المستتر به ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأمّا القاهر فإنه ليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا ، فالمقهور منهم يعود قاهراً ، والقاهر يعود مقهوراً ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أنّ جميع ما خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلّة الامتناع لما أراد به ، لم يخرج منه طرفة عين غير أنّه يقول له : كن فيكون ، والقاهر منّا على ما ذكرته ووصفت ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نُسمّها كلّها ، فقد يكتفي للاعتبار بما ألقينا
إليك ، والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا (1).
وروي عنه عليه السلام أيضاً في معنى اللطف انّه قال : ... ألا ترى الى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما ممّا لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يُستبان لصغره الذكر من الانثى ، والمولود من القديم.
فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد (2) ، والهرب من الموت ، والجمع لما يُصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار ، والمفاوز والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة ، وبياضٍ مع حمرةٍ علمنا انّ خالق هذا الخلق لطيفّ ، وانّ كلّ صانع شيء فمن شيء صَنَعَ ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (3).
الأول : الأشياء الصغيرة جداً بحيث لا تُرى بالعين ، وهذا بالنسبة الى الله كناية عن تجرده تعالى ، أي تجرده من خواص الأجسام ولا يكون في مكان وجهة ، ولا يرى بالعين بل ولا يُدرك بالعقل.
الثاني : يطلق اللطيف ويراد منه صانع الأشياء اللطيفة ، كما يقال للأشياء التي يصعنها الصانع بدقّة وحجم صغير بحيث يعجز غيره عن مثلها : لطيف ، واطلاق هذا المعنى على الله تعالى ظاهر ، فلو تفكر شخص في الأعضاء والجوارح التي خلقها ، والحيوانات التي لا تُرى بالعين ، والقوى والمشاعر المستودعة فيها لحار عقله.
الثالث : العالم باللطائف والدقائق يقال له لطيف وهذا ظاهر أيضاً.
الرابع : المشتق من اللطف والاحسان ، أي ذو لطف وكرم واحسان.
كما وأن الخبير يطلق على معنيين ، الأول : فعيل بمعنى الفاعل ، أي العالم بجميع الأمور وكنه حقائق وخفايا الأشياء ، الثاني : فعيل بمعنى مفعل ، أي المخبر الهادي الى حقائق الأشياء.
روى ابن بابويه عليه الرحمة عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال للحسين بن خالد : اعلم ـ علّمك الله الخير ـ انّ الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على انّه لا شيء قبله، ولا شيء معه في ديموميّته، فقد بان لنا باقرار العامة مع معجزة الصفة انّه لا شيء قبل الله ، ولا شيء مع الله في بقائه.
وبطل قول من زعم انّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك انّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً لأنّه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا ، وكان الأول أولى بأن
--------------------------------------------------------------------------------
( 108 )
يكون خالقاً للأول الثاني.
ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبّدهم وابتلاهم الى أن يدعوه بها ، فسمّى نفسه سميعاً بصيراً قادراً قائماً ظاهراً باطناً لطيفاً خبيراً قوياً عزيزاً حكيماً عليماً وما أشبه هذه الأسماء.
فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون ، وقد سمعونا نحدّث عن الله أنّه لا شيء مثله ، ولا شيء من الخلق في حاله ، قالوا : أخبرونا إذ زعمتم أنّه لا مثل لله ولا شبه له ، كيف شاركتموه في أسمائه الحسني ، فتسميتم بجميعها ؟ ! فإن في ذلك دليلاً على أنكم مثله في حالاته كلا ، أو في بعضها دون بعض ، إذ جمعتكم الأسماء الطيبة.
قيلَ لهم : إنّ الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني ، ذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين ، والدّليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع ، وهو الذي خاطب الله به الخلق ، وكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيّعوا.
وقد يقال للرجل : كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد وكل ذلك على خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها ، لأن الانسان ليس بأسد ولا كلب ، فافهم ذلك رحمك الله.
وإنما نسمي الله بالعالم بغير علم حادث علم به الأشياء ، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والرّوية فيما يخلق من خلقه، وبعينه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويُعنه كان جاهلاً ضعيفاً ، كما أنّا رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلمٍ حادث إذ كانوا قبله جهلةً، وربما فارقهم العلم
بالأشياء فصاروا إلى الجهل.
وإنما سمّي الله عالماً لأنه لا يجهل شيئاً ، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم ، واختلف المعنى على ما رأيت ، وسمي ربّنا سميعاً لا بجزء فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به ، كما أنّ جزءنا الذي نسمع به لا نقوي على النظر به ، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه الأصوات ، ليس على حد ما سُمينا نحنُ ، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى.
وهكذا البصر لا بجزء به أبصر ، كما أنّا نبصر بجزء منّا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء ، ولكن أخبر أنّه قائم ، يخبر أنّه حافظ ، كقولك : الرجل القائم بأمرنا فلانّ ، وهو قائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضاً في كلام الناس الباقي ، والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية ، كقولك للرجل : قم بأمر فلان أي اكفه ، والقائم منّا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما اللطيف فليس على قلة وقضافةٍ وصغر ، ولكن ذلك على النّفاذ في الأشياء ، والامتناع من أن يدرك، كقولك : لطف عني هذا الأمر، ولطف فلان في مذهبه ، وقوله يخبرك أنّه غمض فبهر العقل ، وفات الطلب ، وعاد متعمقاً متلطفاً لا يدركه الوهم ، فهكذا لطف الله ، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحدّ بوصف ، واللطافة منّا الصغر والقلّة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ، ولا يفوته شيء ، وليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء ، فيفيده التجربة والاعتبار علماً لولاهما ما علم ، لأن من كان
كذلك كان جاهلاً ، والله لم يزل خبيراً بما يخلق والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعودعليها ، وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء ، ولقدرته عليها كقول الرجل : ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي ، يخبر عن الفلج والغلبة ، فهكذا ظهور الله على الأعداء.
ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ، لا يخفى عليه شيء وأنه مدبر لكل ما برأ ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تعالى ، وإنك لا تعدم صنعه حيثما توجهت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منّا البارز بنفسه والمعلوم بحده، فقدجمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علماً وحفظاً وتدبيراً ، كقول القائل : أبطنته ، يعني خبّرته وعلمت مكتون سره ، والباطن منا بمعنى الغائر في الشيء المستتر به ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وأمّا القاهر فإنه ليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر، كما يقهر العباد بعضهم بعضا ، فالمقهور منهم يعود قاهراً ، والقاهر يعود مقهوراً ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أنّ جميع ما خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلّة الامتناع لما أراد به ، لم يخرج منه طرفة عين غير أنّه يقول له : كن فيكون ، والقاهر منّا على ما ذكرته ووصفت ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نُسمّها كلّها ، فقد يكتفي للاعتبار بما ألقينا
إليك ، والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا (1).
وروي عنه عليه السلام أيضاً في معنى اللطف انّه قال : ... ألا ترى الى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف، وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما ممّا لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يُستبان لصغره الذكر من الانثى ، والمولود من القديم.
فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد (2) ، والهرب من الموت ، والجمع لما يُصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار ، والمفاوز والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة ، وبياضٍ مع حمرةٍ علمنا انّ خالق هذا الخلق لطيفّ ، وانّ كلّ صانع شيء فمن شيء صَنَعَ ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (3).