موقع السادة البوحية

في استقبال شهر محرم الحرام Bfotcrsgts0f0pal20zx

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع السادة البوحية

في استقبال شهر محرم الحرام Bfotcrsgts0f0pal20zx

موقع السادة البوحية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع يهتم بالدراسات الثقافية والاخلاقية والاجتماعية

في استقبال شهر محرم الحرام V9ocwaclnfc0zf174w9p
http://www.tvquran.com/basfar.htm
في استقبال شهر محرم الحرام K0iv46ais838oejxkjjm عميد السادة البوحية السيد فيصل حفظه الله
في استقبال شهر محرم الحرام 41442_100000810668391_3188_n العميد العام للسادة البوحية في عموم العراق
في استقبال شهر محرم الحرام Yga54241

    في استقبال شهر محرم الحرام

    Admin
    Admin
    مشرف عام


    عدد المساهمات : 214
    نقاط : 590
    تاريخ التسجيل : 10/09/2009

    في استقبال شهر محرم الحرام Empty في استقبال شهر محرم الحرام

    مُساهمة من طرف Admin الأحد ديسمبر 20, 2009 11:37 am

    في استقبال شهر محرم الحرام

    إنّ شهر رمضان المبارك هو شهر الإنابة إلى الله عزّ وجلّ، وكذلك شهر محرم الحرام هو شهر الدعاء، وشهر البكاء، وشهر التأسي بالإباء الحسيني والعمل به.

    إن شهر محرم ليس شهر البكاء فحسب، وإنما هو شهر الانقطاع إلى الله تعالى!.. بل وأكثر من ذلك، إن بعض العلماء يعتبر هذه الأيام هي ليالي قدرٍ أيضاً، حيث يمكن أن يخرج منها الإنسان وقد صفي من كلَّ ذنوبه.. قال الرضا (ع): (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام).

    إن البعض لا ينظر إلى البكاء من زاوية صحيحة، بل يعتبره حركة عادية.. فالإنسان قد يبكي لفقد بعض الدراهم، وقد يبكي لخروجه من وظيفته قسرا، ولموت عزيز، أو ما شابه ذلك.. ولكن البكاء على سيد الشهداء (ع) هو سنة عريقة في حياة الأنبياء.. وهناك بعض النصوص تدل على قدم البكاء على الحسين (ع) من خلال حياة الأنبياء (ع).. أوَ لا تعلمون أنَ أول من بكى على سيد الشهداء (ع) هو الإنسان الأول، الذي حمل في جوفه نطفة الحسين -(ع)؟..

    روي أنّ آدم لما هبط إلى الأرض لم يرَ حواء، فصار يطوف الأرض في طلبها.. فمرّ بكربلاء فاغتمّ، وضاق صدره من غير سببٍ، وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحسين، حتى سال الدم من رجله؛ فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي!.. هل حدث مني ذنبٌ آخر فعاقبتني به؟.. فإني طفت جميع الأرض، وما أصابني سوءٌ مثل ما أصابني في هذه الأرض!.. فأوحى الله إليه: "يا آدم!.. ما حدث منك ذنبٌ، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً، فسال دمك موافقةً لدمه"، فقال آدم: يا ربّ!.. أيكون الحسين نبياً؟.. قال: "لا، ولكنه سبط النبي محمد"، فقال: ومن القاتل له؟.. قال: "قاتله يزيد لعين أهل السموات والأرض"، فقال آدم: فأي شيء أصنع يا جبرائيل؟!.. فقال: العنه يا آدم!.. فلعنه أربع مرات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات، فوجد حواء هناك.

    رُوي أن نوحا لما ركب في السفينة، طافت به جميع الدنيا، فلما مرت بكربلاء أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق، فدعا ربه وقال: إلهي!.. طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض!.. فنزل جبرائيل وقال: "يا نوح!.. في هذا الموضع يُقتل الحسين .... الخبر".

    روي أنّ إبراهيم (ع) مرّ في أرض كربلاء -وهو راكب فرسا- فعثرت به، وسقط إبراهيم، وشج رأسه، وسال دمه.. فأخذ في الاستغفار، وقال: إلهي!.. أي شيء حدث منّي؟.. فنزل جبرائيل وقال: "يا إبراهيم!.. ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء.... الخبر".

    رُوي أنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات، فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما، فسأل ربه عن سبب ذلك؟.. فنزل جبرائيل وقال: "يا إسماعيل!.. سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك"!.. فقال لها: لِمَ لا تشربين من هذا الماء؟.. فقالت بلسان فصيح: "قد بلغنا أن ولدك الحسين (ع) سبط محمد، يُقتل هنا عطشانا، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه.... الخبر".

    رُوي أنّ موسى كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون، فلما جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الخسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي!.. أي شيء حدث مني؟.. فأوحى إليه أن: "هنا يقتل الحسين (ع) وهنا يُسفك دمه، فسال دمك موافقةً لدمه"، فقال: رب!.. ومن يكون الحسين؟.. فقيل له: "هو سبط محمد المصطفى، وابن علي المرتضى.... الخبر".

    فإذن، إن البكاء على الحسين (ع) له تاريخ عريق: بدأ من خلقة آدم (ع)، واستمر إلى حياة النبي الخاتم (ص)، وهو مستمر إلى يومنا هذا، حيث يبكيه صاحب الزمان (عج) صباحا ومساءً، أوَ ليس هو القائل: (فلأندبنك صباحا ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً)!..

    إن البكاء الذي يأتي سهوا، لا قيمة له.. بل البكاء الواعي، هو الذي له قيمة كبرى، وهو الذي يكون من منطلق شعوري، وبوعي لأهداف من نبكي لأجله.. فالبكاء على الحسين (ع) له أهداف شتى، منها:

    أولاً: إعلان موقف.. في هذه الأيام تعبر الدول عن احتجاجها على عمل ما برفع مذكرة، أو بلافتة، أو بمظاهرة، أو بحرق علم الدولة المعادية، وما شابه ذلك.. لتشعر الطرف الآخر بعدم رضاها عن تصرفاته، أو لما بدر منه.. فزماننا زمان إعلان المواقف، وقد نجد حروبا قامت بين الدول بسبب موقف من المواقف، وقد يعادي إنسان إنسانا من أجل كلمةٍ قالها، أو من أجل موقفٍ اتخذه.. فنحن في هذا العمل يوم عاشوراء، نسجل موقفا: نقول من خلاله: أن الإمام (ع) قتل مظلوماً، وهو سبط النبي (ص)، وإمام زمانه، وحجة الله في الأرضين، وخليفة الله في العالمين، وصاحب المعرفة الكبرى برب العالمين، وصاحب دعاء يوم عرفة، ووارث الأنبياء والمرسلين.. وإذا به يعامل هذه المعاملة، التي لم تشهد البشرية لها مثيلا قط.. إننا نعلم بأن النبي يحيى (ع) قد قتل، وكثيرا من الأنبياء (ع) قتلوا، وأصحاب الأخدود قتلوا، وكذلك النبي الخاتم (ص) أوذي في يوم أحد وكسرت رباعيته، وأمير المؤمنين (ع) قتل في محراب الكوفة، والحسن (ع) قتل بالسم ولكن مات في فراشه، والزهراء (ع) ماتت كمدا وغيظاً.. ولكن ليس هناك نبي أو وصي أو صالح في التاريخ عومل هذه المعاملة: أيام طويلة من التعذيب، والعطش، والمحاصرة.. ليس ذلك فحسب، إنما كان القتل من الشيخ الكبير أمثال حبيب بن مظاهر، إلى ولده الرضيع.. فالتاريخ لم يشهد مثلاً لذلك، ولهذا هناك تعاطف عالمي مع قضية الإمام الحسين (ع)، وفي هذه الأيام حتى مختلف الطبقات من غير المسلمين، يحتفلون بذكرى الحسين (ع): أحدهم مسيحي المذهب، له مؤلفات كثيرة عن أهل البيت، جاء إلى العراق زائراً قيل له: كيف تدافع عن أهل البيت (ع)، وأنتَ لا تعتقد بنبي الإسلام؟..

    قال: أنا لا أدافع عن أهل البيت من منطلق الاعتقاد، وإنما من منطلق الظلامة.. هناك جماعة ظلموا في التاريخ، وأنا إنسان مسيحي أحبُّ أن أدافع عن المظلوم مهما كانت ديانته!.. انظروا كيف يعيش هذا الإنسان -الذي لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة، ولا إلى المذهب بصلة- هذه الحرقة على هؤلاء القوم، الذين سجلوا أنصع الصور في الدفاع عن الإنسانية وعن البشرية.. الإمام علي -عليه السلام- يسمع نبأ الاعتداء على ذمية في بلاد المسلمين، فيصيح (عليه السلام) قائلا: (لقد بلغني أن الرجل منهم، كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع قرطها وخلخالها، لا يمتنع منها.. ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم، فوالله لو أن امرأ مسلما مات من هذا أسفا، ما كان عندي ملوما؛ بل كان عندي جديرا)؛ لأن هذا ينافي السلام والعدل على وجه الأرض.. وهذا الإمام الحجة (عج) يأتي ليملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

    فإذن، كلما اشتد البكاء، وكلما زاد النحيب؛ كلما كان تسجيل الموقف أقوى وأنصع!.. هذا الدرس الأول من دروس البكاء على سيد الشهداء (ع).

    ثانياً: اقتران العاطفة بالعمل.. نحن نعلم أنّ هنالك تفاعلات غير مرئية وغير محسوسة؛ بين عالم: الفكر، والعاطفة، والعمل.. فالذكر والعاطفة كالزوجين إذا تزاوجا؛ فالولد منهما هو العمل.. فالإنسان الذي لا يعتقد بالدين، وبمنهج الإسلام، وبأهل البيت -عليهم السلام- هل ترجى منه الاستقامة؟.. إذا كان يعتقد بهم اعتقاداً نظرياً فقط؛ أي يكتب في بطاقته: أنا مسلم جعفري، أو إمامي؛ وهو لا يتفاعل مع ذكراهم: لا يفرح لفرحهم، ولا يحزن لحزنهم؛ فإنه لا يرجى من هذه العقيدة أن تكون دافعا له في الحياة.. الفكرة الصائبة، بالإضافة إلى العاطفة الجياشة، إذا اجتمعا في إنسان؛ نتج منها العمل بشكل طبيعي؛ أي (إن المحب لمن يحب مطيع).. لو أنّ الإنسان استفاد من بركات العاشر، ومن بركات هذه العشرة المباركة؛ -هي مباركة وحزينة في نفس الوقت- لأحدث تأثيرا في الحياة، يمتدُّ أثره إلى محرم القادم.

    إن من دواعي التأسي بهم، المحافظة على الصلاة.. فالبعض ظهيرة يوم عاشوراء، قد ينشغل بشيء من العزاء واللطم، وما شابه ذلك؛ ويؤجل الصلاة.. بينما الحسين -عليه السلام- في هذا الوقت وقف ليصلي صلاة الحرب جماعة (فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان، فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.. فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين (ع): يا أبا عبد الله!.. نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة.. فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرتَ الصلاة، جعلك الله من المصلين!.. نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلُوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي... فقال الحسين (ع) لزهير بن القين، وسعيد بن عبد الله: تقدمّا أمامي حتى أصلي الظهر.. فتقدما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه، حتى صلى بهم صلاة الخوف.. ورُوي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين (ع)، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلما أخذ الحسين (ع) يمينا وشمالا قام بين يديه، فما زال يُرمى به حتى سقط إلى الأرض...).

    جاء العباس إلى الحسين (ع) وأخبره بما قال القوم، فقال: (ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار)؛ لقد كانت آخر أمنيات الإمام من الدنيا، أن يبيت مصلياً ومستغفراً.. (وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد)؛ فكانت ليلة العاشر؛ ليلة الصلاة والعبادة.. وظهيرة العاشر، كانت ظهيرة الصلاة والعبادة.. وساعة مقتله، كانت ساعة مناجاة، فالإمام في ساعة استشهاده كان يناجي ربه قائلا: (رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين)!..

    فإذن، إن صلاتنا في المساجد، وإحياءنا للجمعة والجماعات؛ هي نوع من التأسي بالحسين (ع).. فلو كان هذا البكاء صادقا؛ فإن ثمرته أن نصلي لربنا في أولّ الوقت، ومع جماعات المسلمين.. كان بإمكان الإمام يوم العاشر أن يقول لأصحابه: ليصلي كلّ واحد في خيمته، ولكنه أقام الجماعة في يوم عاشوراء.. فالذي يبكي على الحسين (ع) والسهام التي أصابت أصحاب الحسين في ظهر عاشوراء، ألا يأخذ درساً من ذلك: أن الإمام يحيي صلاة الجماعة في آخر صلاة من حياته، ومن حياة أصحابه البررة (ع).

    ثالثاً: التأسي بالمعصومين (ع).. قال تعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.. يقول أمير المؤمنين (ع): (دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله!.. ما لعينيك تفيضان؟.. أغْضبَك أحدٌ؟.. قال: لا، بل كان عندي جبرائيل، فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات، وقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟.. قلت: نعم، فمدّ يده فأخذ قبضةً من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا، واسم الأرض كربلاء...).. لم يتحمل النبي (ص) ذكر الحسين (ع)، وهو يتعرض لهذه المقتلة العظيمة.

    (كنت مع أمير المؤمنين (ع) في خرجَتِه إلى صفين، فلما نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى صوته: يا بن عباس!.. أتعرف هذا الموضع؟.. قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال (ع): لو عرفتَه كمعرفتي، لم تكن تجوزه حتى تكبي كبكائي.. فبكى طويلا حتى اخضلّت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا معا وهو يقول: أوّه أوّه!.. ما لي ولآل أبي سفيان؟.. ما لي ولآل حرب حزب الشيطان، وأولياء الكفر؟.. صبرا يا أبا عبد الله!.. فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم)!.. علينا التأسي بهؤلاء، أليس التأسي بالنبي (ص) من أعظم القربات إلى الله -سبحانه وتعالى-؟!..

    كان للنبي -صلى الله عليه وآله- مواقف عديدة مع الإمام الحسين (ع)، منها: (خرج النبي (ص) من بيت عائشة، فمر ّعلى بيت فاطمة، فسمع الحسين يبكي، فقال: ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني)؟!..

    (كان رسول الله (ص) إذا دخل الحسين (ع) اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المؤمنين (ع): أمسكه، ثم يقع عليه فيقبّله ويبكي، فيقول: يا أبه لِمَ تبكي؟.. فيقول: يا بنّي!.. أقبّل موضع السيوف منك وأبكي، قال: يا أبه وأُقتل؟.. قال: إي والله، وأبوك وأخوك وأنت!.. قال: يا أبه!.. فمصارعنا شتّى؟.. قال: نعم، يا بني.. قال: فمن يزورنا من أمّتك؟.. قال: لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت، إلا الصدّيقون من أمتي).

    فإذن، إن المسألة عريقة من لدن آدم -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.. وأما أحاديث البكاء عليهم، فهي مصدر للتشريع: سواء أكان في العقيدة، أو في الفقه، أو في مكارم الأخلاق، أو في سلوكنا اليومي.. عن الإمام الرضا قال: (ومن تذكر مصابنا، وبكى لما ارتكب منا؛ كان معنا في درجتنا يوم القيامة.. ومن ذكر مصابنا، فبكى وأبكى؛ لم تبك عينه يوم تبكي العيون.. ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا؛ لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).

    وعليه، فإن ثمرة البكاء على الحسين، هو أن هذا البكاء يتعدى إلى القلب.. فالقلب الذي هو عرش الرحمن، ومصدر الفكر، والعاطفة والالتزام والسلوك.. إذا لم يمت، وصار حياً، لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب.. هذه الرواية عن سيد الشهداء (ع) نفسه، قال الحسين (ع): (أنا قتيل العَبْرة، قُتلت مكروبا، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروبٌ قط، إلا ردّه الله أو أقلَبَه إلى أهله مسرورا).

    إن أحاديث البكاء على الحسين، ودعوة الناس للندبة على الحسين؛ أحاديث مشجية.. قال الإمام الرضا (ع):
    (يا بن شبيب!.. إن كنت باكيا لشيء؛ فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (ع)؛ فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش.. وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا، ما لهم في الأرض شبيهون.. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين!..
    يا بن شبيب!.. لقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده: أنه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما وترابا أحمر.
    يا بن شبيب!.. إن بكيتَ على الحسين حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا.
    يا بن شبيب!.. إن سرك أن تلقى الله -عز وجل- ولا ذنب عليك؛ فزر الحسين (ع).
    يا بن شبيب!.. إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (ص)؛ فالعن قَتَلة الحسين.
    يا بن شبيب!.. إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثلُ ما لمن استشهد مع الحسين؛ فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم؛ فأفوز فوزا عظيما.
    يا بن شبيب!.. إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان؛ فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا.. فلو أن رجلا تولّى حجراً؛ لحشره الله معه يوم القيامة).

    قال مسمع: قال لي الصادق (ع): "يا مسمع!.. أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين"؟.. قلت: لا، أنا رجل مشهور من أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصّاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا عليَّ حالي عند ولد سليمان فيمثّلون عليّ.. قال لي: "أفما تذكر ما صُنع به"؟.. قلت: بلى، قال: "فتجزع"؟.. قلت: إي والله!.. وأستعبر لذلك، حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنعُ من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، قال: "رحم الله دمعتك!.. أما إنك من الذين يُعدّون في أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمِنّا.. أما إنما سترى عند موتك وحضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقّونك به من البشارة ما تقرّ به عينك قبل الموت، فمَلَك الموت أرق عليك وأشدّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها".. ثم استعبر واستعبرتُ معه.. فقال: "الحمد لله الذي فضّلنا على خلقه بالرحمة، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.. يا مسمع!.. إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتُل أمير المؤمنين رحمة لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع الملائكة منذ قُتلنا، وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولما لقينا، إلا رَحِمَه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سال دموعه على خده فلو أن قطرةً من دموعه سقطت في جهنم، لأطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حرّ.. وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته، فرحةً لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يَرِدَ علينا الحوض، وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه، حتى أنه ليُذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.... الخبر".

    خرج الحسين (ع) من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده (ص)، فقال: "السلام عليك يا رسول الله!.. أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني، وضيّعوني، ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك، ثم قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعا ساجدا".... ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح، وضع رأسه على القبر فأُغفي، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه، حتى ضم الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال: "حبيبي يا حسين!.. كأني أراك عن قريبٍ مرمّلا بدمائك، مذبوحا بأرض كربٍ وبلاء من عصابةٍ من أمتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.. حبيبي يا حسين!.. إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالَها إلا بالشهادة".. فجعل الحسين (ع) في منامه ينظر إلى جده، ويقول: "يا جداه!.. لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك"، فقال له رسول الله (ص): "لابدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى تُرزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم.. فإنّك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك، تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتى تدخلوا الجنة".

    فانتبه الحسين (ع) من نومه فزعاً مرعوبا، فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرقٍ ولا مغربٍ قوم أشد غمّا من أهل بيت رسول الله، ولا أكثر باكٍ ولا باكية منهم.. وتهيّأ الحسين (ع) للخروج من المدينة، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمّه فودّعها، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك.... ثم دعا الحسين (ع) بدواةٍ وبياضٍ وكتب هذه الوصية لأخيه محمد: "بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية، أن الحسين يشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.. وأني لم أخرج أشِراً ولا بَطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين.. وهذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.. ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمد، ثم ودعه وخرج في جوف الليل.

    جاء محمد ابن الحنفية إلى الحسين (ع) في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة، فقال له: يا أخي!.. إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ من بالحرم وأمنعه.. فقال: "يا أخي!.. قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت"، فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البرّ فإنك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد، فقال: "انظرُ فيما قلت".. فلما كان السحر، ارتحل الحسين (ع) فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته -وقد ركبها- فقال: يا أخي ألم تعدْني النظر فيما سألتك؟.. قال: "بلى"، قال: فما حداك على الخروج عاجلا؟.. قال: "أتاني رسول الله (ص) بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين!.. اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا".. فقال محمد ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟.. قال: "فقال لي (ص): إن الله قد شاء أن يراهن سبايا".. فسلّم عليه ومضى.

    رُوي أنه -صلوات الله عليه- لما عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيبا، فقال: (الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله وسلّم.. خُطّ الموت على وُلْد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف.. وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا جوفا، وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم.. رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحُمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينُه، وتنجز لهم وعده.. من كان فينا باذلاً مهجتَه، موطّنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحلٌ مصبحا إن شاء الله).

    لنحيي ذكر الحسين (ع)، بعض الصلحاء هذه الأيام لا يذوق الحلوى أبدا!.. وبعضهم لا يمكن أن يكلم، وخاصة عندما يقترب اليوم العاشر، فإنه يعيش الحزن والأسى، فيتصاعد هذا الحزن إلى أن يأتي يوم العاشر، يوم استشهاده (ع).. عن الرضا (ع): (كان أبي إذا دخل شهر المحرم، لا يُرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام.. فإذا كان يوم العاشر، كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين -صلى الله عليه-).. علينا أن نحيي أمرهم، وأن نكثر من البكاء عليهم!.. كما قال الرضا (ع): (فإن البكاء عليه؛ يحطّ

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 2:46 am